فصل: تابع كتاب الوقف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


تابع كتاب الوقف

مطلب لا يصح عزل صاحب وظيفة بلا جنحة أو عدم أهلية

‏[‏تنبيه‏]‏

قال في البحر واستفيد من عدم صحة عزل الناظر بلا جنحة عدمها لصاحب وظيفة في وقف بغير جنحة وعدم أهلية واستدل على ذلك بمسألة غيبة المتعلم، من أنه لا تؤخذ حجرته ووظيفته على حالها إذا كانت غيبته ثلاثة أشهر، فهذا مع الغيبة فكيف مع الحضرة والمباشرة و ستأتي مسألة الغيبة وحكم الاستنابة في الوظائف قبيل قول المصنف ولاية نصف القيم إلى الواقف، وفي آخر الفن الثالث من الأشباه إذا ولى السلطان مدرسا ليس بأهل لم تصح توليته؛ لأن فعله مقيد بالمصلحة خصوصا إن كان المقرر عن مدرس أهلا فإن الأهل لم ينعزل وصرح البزازي في الصلح، بأن السلطان إذا أعطى غير المستحق فقد ظلم مرتين بمنع المستحق وأعطاه غير المستحق ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏

مطلب في النزول عن الوظائف

وذكر في البحر أيضا أن المتولي لو عزل نفسه عند القاضي ينصب غيره ولا ينعزل بعزل نفسه حتى يبلغ القاضي ومن عزل نفسه لفراغ لغيره عن وظيفة النظر أو غيرها ثم إن كان المنزول له غير أهل لا يقرره القاضي ولو أهلا لا يجب عليه تقريره وأفتى العلامة قاسم بأن من فرغ لإنسان عن وظيفته سقط حقه وإن لم يقرر الناظر المنزول له ا هـ‏.‏ فالقاضي بالأولى وقد جرى التعارف بمصر الفراغ بالدراهم ولا يخفى ما فيه وينبغي الإبراء العام بعده ا هـ‏.‏ ما في البحر ملخصا، لكن ينافي هذا ما يأتي في الفصل من أن يتولى إذا أراد إقامة غيره مقامه لا يصح إلا في مرض موته وسيأتي تمام الكلام عليه مع الجواب عنه هناك‏.‏

مطلب لا بد بعد الفراغ من تقرير القاضي في الوظيفة

وذكر صاحب البحر في بعض رسائله أن ما ذكره العلامة قاسم لم يستند فيه إلى نقل وأنه خولف في ذلك أي فلا بد من تقرير القاضي‏.‏ وسئل في الخيرية عما إذا قرر السلطان رجلا في وظيفة كانت لرجل فرغ لغيره عنها بمال أجاب بأنها لمن قرره السلطان لا للمفروغ له إذ الفراغ لا يمنع تقريره سواء قلنا بصحته المتنازع فيها أو بعدمها الموافق للقواعد الفقهية كما حرره العلامة المقدسي ثم رأيت صريح المسألة في شرح منهاج الشافعية لابن حجر معللا بأن مجرد الفراغ سبب ضعيف لا بد من انضمام تقرير الناظر إليه ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏

مطلب لو قرر القاضي رجلا ثم قرر السلطان آخر فالمعتبر الأول

وأفتى في الخيرية أيضا بأنه لو قرر القاضي رجلا ثم قرر السلطان آخر فالعبرة لتقرير القاضي كالوكيل إذا نجز ما وكل فيه ثم فعله الموكل‏.‏

مطلب الناظر المشروط له التقدير مقدم على القاضي

وأفتى أيضا بأن الناظر المشروط له التقرير لو قرر شخصا فهو المعتبر دون تقرير القاضي أخذا من القاعدة المشهورة‏:‏ وهي أن الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة وبه أفتى العلامة قاسم، وأما إذا لم يشترط الواقف له التقرير فالمعتبر تقرير القاضي‏.‏ ا هـ‏.‏

مطلب للمفروغ له الرجوع بمال الفراغ

وأفتى في الخيرية أيضا بأنه لو فرغ عن الوظيفة بمال فللمفروغ له الرجوع بالمال لأنه اعتياض عن حق مجرد وهو لا يجوز صرحوا به قاطبة قال ومن أفتى بخلافه فقد أفتى بخلاف المذهب لبنائه على اعتبار العرف الخاص وهو خلاف المذهب والمسألة شهيرة وقد وقع فيها للمتأخرين رسائل واتباع الجادة أولى والله أعلم وكتب على ذلك أيضا كتابة حسنة في أول كتاب الصلح من الخيرية فراجعها وسيأتي تمام الكلام على ذلك في أول كتاب البيوع وحاصله جواز أخذ المال بلا رجوع‏.‏

مطلب في اشتراط الغلة لنفسه

‏(‏قوله‏:‏ وجاز جعل غلة الوقف لنفسه إلخ‏)‏ أي كلها أو بعضها وعند محمد لا يجوز بناء على اشتراطه التسليم إلى متول وقيل هي مسألة مبتدأة أي غير مبنية على ذلك وهو أوجه ويتفرع على الخلاف ما لو وقف على عبيده وإمائه صح عند أبي يوسف لا عند محمد، وأما اشتراط الغلة لمدبريه وأمهات أولاده فالأصح صحته اتفاقا لثبوت حريتهم بموته، فهو كالوقف على الأجانب وثبوته لهم حال حياته تبع لما بعدها، وقيد بجعل الغلة لنفسه لأنه لو وقف على نفسه قيل‏:‏ لا يجوز وعن أبي يوسف‏:‏ جوازه وهو المعتمد وما في الخانية من أنه لو وقف على نفسه وعلى فلان صح نصفه وهو حصة فلان وبطل حصة نفسه ولو قال‏:‏ ثم على فلان لا يصح شيء منه مبني على القول الضعيف بحر ملخصا، لكنه لم يستند في تضعيفه واعتماد الجواز إلى نقل صريح، ولعله بناه على عدم الفرق بين جعل الغلة لنفس والوقف على نفسه إذ ليس المراد من الوقف على شخص سوى صرف الغلة إليه لأن الوقف تصدق بالمنفعة فحينئذ يكون التصحيح المنقول في صحة الأول شاملا لصحة الثاني، وهو ظاهر يؤيده قول الفتح، ويتفرع على الخلاف ما لو وقف على عبيده وإمائه إلخ مع أن الخلاف المذكور في جعل الغلة لنفسه‏.‏

مطلب في الوقف على نفس الواقف

‏(‏قوله‏:‏ أو الولاية‏)‏ مفاده أن فيه خلاف محمد مع أنه قدم أن اشتراط الولاية لنفسه جائز بالإجماع، لكن لما كان في دعوى الإجماع نزاع كما قدمناه مع التوفيق بأن عن محمد روايتين إحداهما توافق قول أبي يوسف والأخرى تخالفه فدعوى الإجماع مبنية على الرواية الأولى؛ ودعوى الخلاف على الثانية فلا خلل في النقلين فلذا مشى الشارح عليهما في موضعين مشيرا إلى صحة كل من العبارتين فافهم ‏(‏قوله‏:‏ وعليه الفتوى‏)‏ كذا قاله الصدر الشهيد وهو مختار أصحاب المتون ورجحه في الفتح واختار مشايخ بلخ وفي البنجر عن الحاوي أنه المختار للفتوى ترغيبا للناس في الوقف وتكثيرا للخير‏.‏

مطلب في استبدال الوقف وشروطه

‏(‏قوله‏:‏ وجاز شرط الاستبدال به إلخ‏)‏ اعلم أن الاستبدال على ثلاثة وجوه‏:‏ الأول‏:‏ أن يشرطه الواقف لنفسه أو لغيره أو لنفسه وغيره، فالاستبدال فيه جائز على الصحيح وقيل اتفاقا‏.‏ والثاني‏:‏ أن لا يشرطه سواء شرط عدمه أو سكت لكن صار بحيث لا ينتفع به بالكلية بأن لا يحصل منه شيء أصلا، أو لا يفي بمؤنته فهو أيضا جائز على الأصح إذا كان بإذن القاضي ورأيه المصلحة فيه‏.‏ والثالث‏:‏ أن لا يشرطه أيضا ولكن فيه نفع في الجملة وبدله خير منه ريعا ونفعا، وهذا لا يجوز استبداله على الأصح المختار كذا حرره العلامة قنالي زاده في رسالته الموضوعة في الاستبدال، وأطنب فيها عليه الاستدلال وهو مأخوذ من الفتح أيضا كما سنذكره عند قول الشارح لا يجوز استبدال العامر إلا في أربع ويأتي بقية شروط الجواز‏.‏ وأفاد صاحب البحر في رسالته في الاستبدال أن الخلاف في الثالث، إنما هو في الأرض إذا ضعفت عن الاستغلال بخلاف الدار إذا ضعفت بخراب بعضها، ولم تذهب أصلا فإنه لا يجوز حينئذ الاستبدال على كل الأقوال قال‏:‏ ولا يمكن قياسها على الأرض فإن الأرض إذا ضعفت لا يرغب غالبا في استئجارها بل في شرائها أما الدار فيرغب في استئجارها مدة طويلة لأجل تعميرها للسكنى على أن باب القياس مسدود في زماننا وإنما للعلماء النقل من الكتب المعتمدة كما صرحوا به ‏(‏قوله‏:‏ أرضا أخرى‏)‏ مفعول به للاستبدال وعمل المصدر المقرون بأل قليل ‏(‏قوله‏:‏ حينئذ‏)‏ أي حين إذ كان الفتوى على قول أبي يوسف وأشار بهذا إلى أن اشتراط الاستبدال مفرع على القول بجواز اشتراط الغلة لنفسه ولهذا قال في البحر‏:‏ وفرع في الهداية على الاختلاف بين الشيخين شرط والاستبدال لنفسه، فيجوزه أبو يوسف وأبطله محمد وفي الخانية الصحيح قول أبي يوسف ا هـ‏.‏ وذكر في الخانية في موضع آخر صحة الشرط إجماعا ووفق بينهما صاحب البحر في رسالته بحمل الأول على ما إذا ذكر الشرط بلفظ البيع والثاني ما إذا ذكره بلفظ الاستبدال بقرينة تعبير الخانية بذلك وإلا فهو مشكل‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو شرط بيعه‏)‏ ظاهره أنه لا فرق بين ذكره بلفظ الاستبدال أو البيع، وهو خلاف التوفيق المذكور آنفا‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ ويشتري بثمنه أرضا‏)‏ أي وأن يشتري على حد قوله ولبس عباءة وتقر عيني وقيد به لأن شرط البيع فقط يفسد الوقف كما مر أول الباب؛ لأنه لا يدل على إرادة الاستبدال إلا بذكر الشراء وفي فتاوى الكازروني عن الشرنبلالي أنه سئل عن واقف شرط لنفسه الاستبدال والبيع فأجاب‏:‏ بأن الوقف باطل لأنه لما شرط البيع بعد الاستبدال كان عطف مغاير، وأطلق البيع ولم يقل واشترى بالثمن ما يكون وقفا مكانها فأبطل الوقف لقول الخصاف لو اشترط بيع الأرض ولم يقل استبدال بثمنها ما يكون وقفا مكانها فالوقف باطل‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ إذا شاء‏)‏ كذا وقع في عبارة الدرر ولم يذكره في البحر والفتح، وأكثر الكتب التي رأيتها نعم رأيته معزيا للذخيرة والظاهر أنه قيد للبيع لا للشراء فكان المناسب ذكره قبل قوله‏:‏ ويشتري لئلا يوهم أنه قيد للشراء، فيلزم منه اشتراط البيع، وإن لم يرد أن يشتري بثمنه غيره وهو مفسد للوقف كما علمته هذا ما ظهر لي ولم أر من نبه عليه ‏(‏قوله‏:‏ وإن لم يذكرها‏)‏ أي الشرائط قال في البحر‏:‏ ولو شرط أن يبيعها، ويشتري بثمنها أرضا أخرى، ولم يزد صح استحسانا وصارت الثانية وقفا بشرائط الأولى ولا يحتاج إلى الإيقاف كالعبد الموصى بخدمته، إذا قتل خطأ واشترى بثمنه عبدا آخر ثبت حق الموصى له في خدمته‏.‏

مطلب في اشتراط الإدخال والإخراج

‏(‏قوله‏:‏ ثم لا يستبدلها بثالثة‏)‏ قال في الفتح‏:‏ إلا أن يذكر عبارة تفيد له ذلك دائما، وكذلك ليس للقيم الاستبدال إلا أن ينص له عليه، وعلى وزان هذا الشرط لو شرط لنفسه، أن ينقص من المعاليم إذا شاء، ويزيد ويخرج من شاء، ومن استبدل به كان له ذلك، وليس لقيمه أن يجعله له وإذا أدخل وأخرج مرة، فليس له ثانيا إلا بشرطه ولو شرطه للقيم ولم يشرطه لنفسه كان له أن يستبدل بنفسه ا هـ‏.‏ وذكر في البحر فروعا مهمة فلتراجع ‏(‏قوله‏:‏ ولو للمساكين آل‏)‏ أي رجع وهذه المبالغة لم يذكرها في الدرر قال ح‏:‏ ولم يظهر لي وجهها ‏(‏قوله‏:‏ بدون الشرط‏)‏ دخل فيه ما لو اشترط عدمه كما سيذكره الشارح في شرح الوهبانية عن الطرسوسي أنه لا نقل فيه لكنه مقتضى قواعد المذهب؛ لأنهم قالوا‏:‏ إذا شرط الواقف أن لا يكون للقاضي أو السلطان كلام في الوقف أنه شرط باطل، وللقاضي الكلام لأن نظره أعلى وهذا شرط فيه تفويت المصلحة للموقوف عليهم، وتعطيل للوقف فيكون شرطا لا فائدة فيه للوقف ولا مصلحة فلا يقبل ا هـ‏.‏ بحر‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وشرط في البحر إلخ‏)‏ عبارته وقد اختلف كلام قاضي خان في موضع جوزه للقاضي بلا شرط الواقف، حيث رأى المصلحة فيه وفي موضع منع منه‏:‏ لو صارت الأرض بحال لا ينتفع بها والمعتمد أنه بلا شرط يجوز للقاضي بشرط أن يخرج عن الانتفاع بالكلية، وأن لا يكون هناك ريع للوقف يعمر به وأن لا يكون البيع بغبن فاحش، وشرط الإسعاف أن يكون المستبدل قاضي الجنة المفسر بذي العلم والعمل لئلا يحصل التطرق إلى إبطال أوقاف المسلمين كما هو الغالب في زماننا ا هـ‏.‏ ويجب أن يزاد آخر في زماننا‏:‏ وهو أن يستبدل بعقار لا بدراهم ودنانير فإنا قد شاهدنا النظار يأكلونها، وقل أن يشتري بها بدلا ولم نر أحدا من القضاة فتش على ذلك مع كثرة الاستبدال في زماننا‏.‏ ا هـ‏.‏

مطلب في شروط الاستبدال

وحاصله‏:‏ أنه يشترط له خمسة شروط أسقط الشارح منها الثاني والثالث، لظهورهما لكن في الخامس كلام يأتي قريبا، وأفاد في البحر زيادة شرط سادس‏:‏ وهو أن لا يبيعه ممن لا تقبل شهادته له، ولا ممن له عليه دين حيث قال وقد وقعت حادثتان للفتوى‏.‏ إحداهما‏:‏ باع الوقف من ابنه الصغير فأجبت‏:‏ بأنه لا يجوز اتفاقا كالوكيل بالبيع باع من ابنه الصغير والكبير كذلك خلافا لهما كما عرف في الوكالة‏.‏ ثانيهما‏:‏ باع من رجل له على المستبدل دين وباعه الوقف بالدين، وينبغي أن لا يجوز على قول أبي يوسف وهلال لأنهما لا يجوزان البيع بالعروض فالدين أولى ا هـ‏.‏ وذكر عن القنية ما يفيد شرطا سابعا حيث قال‏:‏ وفي القنية مبادلة دار الوقف بدار أخرى إنما يجوز إذا كانتا في محلة واحدة أو محلة الأخرى خيرا وبالعكس لا يجوز، وإن كانت المملوكة أكثر مساحة وقيمة وأجرة لاحتمال خرابها في أدون المحلتين لدناءتها وقلة الرغبة فيها ا هـ‏.‏ وزاد العلامة قنالي زاده في رسالته ثامنا وهو أن يكون البدل والمبدل من جنس واحد لما في الخانية لو شرط لنفسه استبدالها بدار لم يكن له استبدالها بأرض، وبالعكس أو بأرض البصرة تقيد ا هـ‏.‏ فهذا فيما شرطه لنفسه، فكذا يكون شرطا فيما لو لم يشترطه لنفسه بالأولى تأمل‏.‏ ثم قال والظاهر عدم اشتراط اتحاد الجنس في الموقوفة للاستغلال؛ لأن المنظور فيها كثرة الريع، وقلة المرمة والمؤنة فلو استبدل الحانوت بأرض تزرع ويحصل منها غلة قدر أجرة الحانوت كان أحسن لأن الأرض أدوم وأبقى وأغنى عن كافة الترميم والتعمير بخلاف الموقوفة للسكن لظهور أن قصد الواقف الانتفاع بالسكن ا هـ‏.‏ ولا يخفى أن هذه الشروط فيما لم يشترط الواقف استبداله لنفسه أو غيره، فلو شرطه لا يلزم خروجه عن الانتفاع ولا مباشرة القاضي له ولا عدم ريع يعمر به كما لا يخفى فاغتنم هذا التحرير ‏(‏قوله‏:‏ ولو بالدراهم والدنانير‏)‏ رد لما مر عن البحر من اشتراط كون البدل عقارا، وحاصله‏:‏ إن اشتراط ذلك إنما هو لكون الدراهم يخشى عليها أكل النظار لها وإذا كان المشروط كون المستبدل قاضي الجنة لا يخشى ذلك‏.‏ قلت‏:‏ وفيه نظر لأن قاضي الجنة شرط للاستبدال فقط لا للشراء بالثمن أيضا، فقد يستبدل قاضي الجنة بالدراهم ويبقيها عنده أو عند الناظر، ثم يعزل القاضي ويأتي في السنة الثانية من لا يفتش عليها فتضيع‏.‏ نعم ذكر في البحر أن صريح كلام قاضي خان جوازه بالدراهم، ولكن قال قارئ الهداية وإن كان للوقف ريع ولكن يرغب شخص في استبداله إن أعطى مكانه بدلا أكثر ريعا منه في صقع أحسن من صقع الوقف جاز عند أبي يوسف والعمل عليه وإلا فلا فقد عين العقار للبدل فدل على منعه بالدراهم ا هـ‏.‏ واعترضه الخير الرملي بأنه كيف يخالف قاضي خان مع صراحته بالجواز بما قاله قارئ الهداية، مع أنه ليس فيه تعرض للاستبدال بالدراهم لا بنفي ولا إثبات‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ لا يخفى أن قوله إن أعطى مكانه بدلا إلخ يدل على نفي الجواز بدون العقار، بل صرح به في قوله وإلا فلا‏:‏ نعم يرد على البحر أن كلام قارئ الهداية لا يعارض كلام قاضي خان لأنه فقيه النفس والجواب أن صاحب البحر، لم ينكر كون المنقول في المذهب ما قاله قاضي خان، ولكن مراده أن هذا المنقول كان في زمنهم وأن ما قاله قارئ الهداية مبني على تغير الزمان، ويدل على أن مراده هذا قوله فيما سبق، ويجب أن يزاد آخر في زماننا إلخ ولا شك أن هذا هو الاحتياط، ولا سيما إذا كان المستبدل من قضاة هذا الزمن وناظر الوقف غير مؤتمن نعم ما أفتى به قارئ الهداية من جواز الاستبدال إذا كان للوقف ريع مخالف لما مر في الشروط من اشتراط خروجه عن الانتفاع بالكلية ويأتي تمام الكلام عليه قريبا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وكذا لو شرط عدمه‏)‏ معطوف على قول المتن وأما بدون الشرط، وقدمنا عن الطرسوسي أن هذا لا نقل فيه بل قواعد المذهب تقتضيه

مطلب يجوز مخالفة شرط الواقف في مسائل

‏(‏قوله‏:‏ وهي إحدى المسائل السبع‏)‏ الثانية‏:‏ شرط أن القاضي لا يعزل الناظر، فله عزل غير الأهل‏.‏ الثالثة‏:‏ شرط أن لا يؤجر وقفه أكثر من سنة، والناس لا يرغبون في استئجار سنة أو كان في الزيادة نفع للفقراء فللقاضي المخالفة دون الناظر‏.‏ الرابعة‏:‏ لو شرط أن يقرأ على قبره فالتعيين باطل أي على القول بكراهة القراءة على القبر والمختار خلافه‏.‏ الخامسة‏:‏ شرط أن يتصدق بفاضل الغلة على من يسأل في مسجد كذا، فللقيم التصدق على سائل غير ذلك المسجد أو خارج المسجد، أو على من لا يسأل‏.‏ السادسة‏:‏ لو شرط للمستحقين خبزا ولحما معينا كل يوم فللقيم دفع القيمة من النقد وفي موضع آخر لهم طلب المعين وأخذ القيمة‏:‏ أي فالخيار لهم لا له وذكر في الدرر المنتقى أنه راجح‏.‏ السابعة‏:‏ تجوز الزيادة من القاضي على معلوم الإمام، إذا كان لا يكفيه وكان عالما تقيا وهذه الأخيرة سيذكرها الشارح في فروع الفصل الآتي، ويأتي الكلام عليها هناك وزاد عليها أخرى وهي جواز مخالفة السلطان الشروط إذا كان أصل الوقف لبيت المال ‏(‏قوله‏:‏ وزاد ابن المصنف في زواهره‏)‏ أي في حاشيته زواهر الجواهر على الأشباه والنظائر ونص عبارة أنفع الوسائل هكذا إذا نص الواقف على أن أحدا لا يشارك الناظر في الكلام على هذا الوقف، ورأى القاضي أن يضم إليه مشارفا يجوز له ذلك كالوصي إذا ضم إليه غيره حيث يصح ا هـ‏.‏ وهذا حاصل ما يأتي عن المعروضات‏.‏ قلت‏:‏ وأوصالها في الدر المنتقى إلى إحدى عشرة فراجعه وزاد البيري مسألتين الأولى‏:‏ ما إذا شرط أن لا يؤاجر بأكثر من كذا وأجر المثل أكثر والثانية‏:‏ لو شرط أن لا يؤجر لمتجوه أي لصاحب جاه فآجره منه بأجرة معجلة، واعترض بأن العلة الخوف على رقبة الواقف كما هو مشاهد‏.‏ قلت‏:‏ وينبغي التفصيل بين الخوف على الأجرة والخوف على الوقف ففي الأول يصح بتعجيل الأجرة ‏(‏قوله‏:‏ وفيها‏)‏ أي في الأشباه‏.‏

مطلب لا يستبدل العامر إلا في أربع

‏(‏قوله‏:‏ إلا في أربع‏)‏ الأولى‏:‏ لو شرطه الواقف‏.‏ الثانية‏:‏ إذا غصبه غاصب، وأجرى عليه الماء حتى صار بحرا فيضمن القيمة، ويشتري المتولي بها أرضا بدلا‏:‏ الثالثة‏:‏ أن يجحده الغاصب ولا بينة أي وأراد دفع القيمة، فللمتولي أخذها ليشتري بها بدلا‏.‏ الرابعة‏:‏ أن يرغب إنسان فيه ببدل أكثر غلة، وأحسن صقعا فيجوز على قول أبي يوسف وعليه الفتوى كما في فتاوى قارئ الهداية قال صاحب النهر في كتابه إجابة السائل قول قارئ الهداية والعمل على قول أبي يوسف معارض مما قاله صدر الشريعة، نحن لا نفتي به وقد شاهدنا في الاستبدال ما لا يعد ويحصى‏:‏ فإن ظلمة القضاة جعلوه حيلة لإبطال أوقاف المسلمين وعلى تقديره فقد قال في الإسعاف المراد بالقاضي‏:‏ هو قاضي الجنة المفسر بذي العلم والعمل ا هـ‏.‏ ولعمري إن هذا أعز من الكبريت الأحمر، وما أراه إلا لفظا يذكر فالأحرى فيه السد خوفا من مجاوزة الحد والله سائل كل إنسان ا هـ‏.‏ قال العلامة البيري بعد نقله أقول‏:‏ وفي فتح القدير والحاصل‏:‏ أن الاستبدال إما عن شرط الاستبدال أولا عن شرطه، فإن كان لخروج الوقف عن انتفاع الموقوف عليهم، فينبغي أن لا يختلف فيه وإن كان لا لذلك بل اتفق أنه أمكن أن يؤخذ بثمنه ما هو خير منه مع كونه منتفعا به، فينبغي أن لا يجوز لأن الواجب إبقاء الوقف على ما كان عليه دون زيادة ولأنه لا موجب لتجويزه؛ لأن الموجب في الأول الشرط وفي الثاني الضرورة ولا ضرورة في هذا إذ لا تجب الزيادة بل نبقيه كما كان‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ ما قاله هذا المحقق هو الحق الصواب ا هـ‏.‏ كلام البيري وهذا ما حرره العلامة القنالي كما قدمناه ‏(‏قوله‏:‏ قلت لكن إلخ‏)‏ استدراك على الصورة الرابعة المذكورة ‏(‏قوله‏:‏ بمنع استبداله‏)‏ أي استبدال العامر إذا قل ريعه ولم يخرج عن الانتفاع بالكلية وهو الصورة الرابعة بقرينة قوله تبعا لترجيح صدر الشريعة فإن الذي رجحه هو هذه الصورة كما علمته آنفا

‏(‏قوله‏:‏ فالمتولون إلخ‏)‏ لا يخفى ما في هذه العبارة من الركاكة، والظاهر أنها معربة من عبارة تركية‏.‏ وحاصلها‏:‏ أنه ورد الأمر بعدم العمل بهذا الشرط، فإذا كان المتولي من الأمراء لا يستقل بنفسه بل يعرض أمر الوقف على الدولة العلية أي على السلطان لقرب الأمير منه فيتصرف بالوقف برأي السلطان على مقتضى الشرع الشريف، وإن كان المتولي ممن دون الأمراء في الرتبة، وهو من لا وصول له بنفسه إلى السلطان يعرض أمر الوقف برأي الأمراء على القضاة ليتصرف معهم على وفق المشروع من المواد الحادثة ولا يخالف المتولي للقاضي إذا أمره بالمشروع ولا القاضي المتولي إذا كان تصرف المتولي على وفق المشروع ‏(‏قوله‏:‏ فالواقفون إلخ‏)‏ حاصله أن الواقفين إذا شرطوا هذا الشرط، ولعنوا من يداخل الناظر من الأمراء والقضاة كانوا هم الملعونين؛ لأنهم أرادوا بهذا الشرط أنه مهما صدر من الناظر من الفساد لا يعارضه أحد، وهذا شرط مخالف للشرع وفيه تفويت المصلحة للموقوف عليهم وتعطيل الوقف فلا يقبل كما قدمناه عن أنفع الوسائل‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ بنى على أرض إلخ‏)‏ كان المناسب للمصنف ذكره هذه المسألة عند قوله‏:‏ ومنقول فيه تعامل لما تقرر أن البناء والغراس من قسم المنقول ولذا لا تجري فيه الشفعة كما سنحققه في بابها ولزم من ذكرها هنا الفصل بين مسائل الاستبدال والبيع‏.‏

مطلب في وقف البناء بدون أرض

‏(‏قوله‏:‏ ثم وقف البناء قصدا‏)‏ احترز به عن وقفه تبعا للأرض، فإنه جائز بلا نزاع‏.‏ ثم اعلم أن العلامة قاسما أفتى بأنه لا يصح وقف البناء بدون أرض، وعزاه في الأصل الإمام محمد وإلى هلال بن يحيى البصري والخصاف وإلى الواقعات والمضمرات وقال‏:‏ يحتمل هذا المنع أن يكون لا لعدم التعارف بل لأن غير المنقولات تبقى بنفسها مدة طويلة، فتكون متأبدة بخلاف البناء فإنه لا بقاء له بدون الأرض فلا يتم التخريج فثبت أنه باطل بالاتفاق والحكم به باطل ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ قلت‏:‏ لكن في البحر عن الذخيرة وقف البناء من غير وقف الأصل لم يجز هو الصحيح لأنه منقول وقفه غير متعارف وإذا كان أصل البقعة موقوفا على جهة قربة فبنى عليها بناء ووقف بناءها على جهة قربة أخرى اختلفوا فيه‏.‏ ا هـ‏.‏

مطلب مناظرة ابن الشحنة مع شيخه العلامة قاسم في وقف البناء

فهذا صريح بأن علة عدم الجواز كونه غير متعارف لا لما ذكره العلامة قاسم فحيث تعورف وقفه جاز وعن هذا خالفه تلميذه العلامة عبد البر بن الشحنة بعد ما جرى بينهما كلام في مجلس السلطان الملك الظاهر سنة 872 وقال‏:‏ إن الناس من زمن قديم نحو مائتي سنة وإلى الآن على جوازه والأحكام به من القضاة العلماء متواترة والعرف جار به فلا ينبغي أن يتوقف فيه ا هـ‏.‏ ورده العلامة محمد بن ظهيرة القرشي كما في فتاوى الكازروني بما حاصله أنه خالف نصوص المذهب على عدم جوازه، وخالف شيخه الذي أجمع علماء عصره من المذاهب الأربعة على علمه وقبول قوله وأنه اعتمد على قول مرجوح، وأنه احتج بالعرف وعمل القضاة والعرف لا يصادم المنقول وحكم القضاة بالمرجوح لا ينفذ‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ لا يخفى عليك أن المفتى به الذي عليه المتون جواز وقف المنقول المتعارف وحيث صار وقف البناء متعارفا كان جوازه موافقا للمنقول، ولم يخالف نصوص المذهب على عدم جوازه لأنها مبنية على أنه لم يكن متعارفا كما دل عليه كلام الذخيرة المار ويأتي قريبا نص الخصاف على جوازه إذا كان البناء في أرض محتكرة هذا‏:‏ والذي حرره في البحر أخذا من قول الظهيرية، وأما إذا وقفه على الجهة التي كانت البقعة وقفا عليها جاز اتفاقا تبعا للبقعة أن قول الذخيرة لم يجز هو الصحيح مقصور على ما عدا صورة الاتفاق وهو ما إذا كانت الأرض ملكا أو وقفا على جهة أخرى قال وقصره الطرسوسي على الملك وهو غير ظاهر‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وهو كذلك، فإن شرط الوقف التأبيد والأرض إذا كانت ملكا لغيره فللمالك استردادها، وأمره بنقض البناء وكذا لو كانت ملكا له فإن لورثته بعده ذلك، فلا يكون الوقف مؤبدا وعلى هذا فينبغي أن يستثنى من أرض الوقف ما إذا كانت معدة للاحتكار؛ لأن البناء يبقى فيها كما إذا كان وقف البناء على جهة وقف الأرض فإنه لا مطالب لنقضه والظاهر أن هذا وجه جواز وقفه إذا كان متعارفا ولهذا أجازوا وقف بناء قنطرة على النهر العام وقالوا إن بناءها لا يكون ميراثا وقال في الخانية إنه دليل على جواز وقف البناء وحده يعني فيما سبيله البقاء كما قلنا وبه يتضح الحال ويزول الإشكال ويحصل التوفيق بين الأقوال ‏(‏قوله وقيل صح وعليه الفتوى‏)‏ أخذه من إطلاق ما نقله عن قارئ الهداية فقد قال في البحر‏:‏ إن ظاهره أنه لا فرق بين أن تكون الأرض ملكا أو وقفا لكنه لمخالف لما حرره كما علمته آنفا، ولما يأتي عن فتاواه، وقد علمت ما فيه من منافاته للتأبيد وعن هذا نص في الخانية وغيرها على أنه لا يجوز وقف البناء في أرض هي عارية أو إجارة كما يأتي فيجب حمل كلام قارئ الهداية على غير الملك ‏(‏قوله‏:‏ وأقره المصنف‏)‏ ليس في عبارته التصريح بالملك، وأما شارح الوهبانية فليس في كلامه تصريح بترجيحه فإنه قال نظما‏:‏ وتجويز إيقاف البنا دون أرضه ولو تلك ملك الغير بعض يقرر ‏(‏قوله والصحيح الصحة‏)‏ أي إذا كانت الأرض محتكرة كما علمت، وعن هذا قال في أنفع الوسائل إنه لو بنى في الأرض الموقوفة المستأجرة مسجدا أنه يجوز قال وإذا جاز فعلى من يكون حكره والظاهر أنه يكون على المستأجر ما دامت المدة باقية، فإذا انقضت ينبغي أن يكون من بيت مال الخراج وأخواته ومصالح المسلمين‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ لو الأرض وقفا‏)‏ مبني على ما مشى عليه المتن‏.‏

مطلب في زيادة أجرة الأرض المحتكرة

‏(‏قوله‏:‏ في الأرض المحتكرة‏)‏ أصل الحكر المنع بحر عن الخطط وفي الخيرية الاستحكار عقد إجارة يقصد به استبقاء الأرض مقررة للبناء والغرس أو لأحدهما ‏(‏قوله‏:‏ فأجاب نعم‏)‏ أي يجوز بيعه ووقفه أما البيع فقدمنا الكلام عليه محررا في أول كتاب الشركة وأما وقف المأجور ففي البحر يصح ولا تبطل الإجارة، فإذا انقضت أو مات أحدهما صرف إلى جهات الوقف ا هـ‏.‏ وأما وقف المرهون فسيأتي بيانه قبيل الفصل وأما وقف الشجر فهو كوقف البناء وفي البزازية غرس شجرة ووقفها إن غرسها على أرض مملوكة يجوز وقفها تبعا للأرض، وإن بدون أصلها لا يجوز وإن كانت في أرض موقوفة إن وقفها على تلك الجهة جاز كما في البناء وإن وقفها على جهة أخرى فعلى الخلاف المذكور في وقف البناء ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أو إجارة‏)‏ يستثنى منه ما ذكره الخصاف، من أن الأرض إذا كانت متقررة للاحتكار، فإنه يجوز بحر قال في الإسعاف‏:‏ وذكر في أوقاف الخصاف إن وقف حوانيت الأسواق، يجوز إن كانت الأرض بإجارة في أيدي الذين بنوها لا يخرجهم السلطان عنها من قبل أنا رأيناها في أيدي أصحاب البناء توارثوها وتقسم بينهم لا يتعرض لهم السلطان فيها، ولا يزعجهم وإنما له غلة يأخذها منهم وتداولها خلف عن سلف ومضى عليها الدهور وهي في أيديهم يتبايعونها ويؤجرونها وتجوز فيها وصاياهم ويهدمون بناءها، ويعيدونه ويبنون غيره فكذلك الوقف فيها جائز ا هـ‏.‏ وأقره في الفتح وذكر أيضا أنه مخصص لإطلاق قوله أو إجارة وقد علمت وجهه وهو بقاء التأبيد وهو مؤيد لما قلنا من تخصيص الوقف لما إذا كانت الأرض محتكرة‏.‏

مطلب في وقف الكردار والكدك

‏[‏تتمة‏]‏

في البزازية وقف الكردار بدون الأرض لا يجوز كوقف البناء بلا أرض‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي مزارعة الخيرية الكردار هو أن يحدث المزارع في الأرض بناء أو غراسا أو كبسا بالتراب صرح به غالب أهل الفتاوى ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ فعلى هذا ينبغي التفصيل في الكردار فإن كان كبسا بالتراب، فلا يصح وقفه وإن كان بناء أو غرسا ففيه ما مر في وقف البناء والشجر، ومن الكردار ما يسمى الآن كدكا في حوانيت الوقف ونحوها من وقوف مركبة في الحانوت وإغلاق على وجه القرار، ومنه ما يسمى قيمة في البساتين وفي الحمامات، وقد أوضحناه في تنقيح الحامدية والظاهر أنه لا يصح وقفه لعدم العرف الشائع بخلاف وقف البناء والشجر فإنه مما شاع وذاع في عامة البقاع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وأما الزيادة في الأرض المحتكرة إلخ‏)‏ محل ذكر هذه المسائل في أول الفصل الآتي عند ذكر إجارة الوقف‏.‏ والحاصل‏:‏ أن مستأجر أرض الوقف إذا بنى فيها ثم زادت أجرة المثل زيادة فاحشة فإما أن تكون الزيادة بسبب العمارة والبناء أو بسبب زيادة أجرة الأرض في نفسها ففي الأول لا تلزمه الزيادة لأنها أجرة عمارته وبنائه، وهذا لو كانت العمارة ملكه أما لو كانت للوقف كما لو بنى بأمر الناظر ليرجع على الوقف تلزمه الزيادة ولهذا قيد بالمحتكرة، وفي الثاني تلزمه الزيادة أيضا كما يأتي بيانه في الفصل ‏(‏قوله‏:‏ أمر برفع العمارة‏)‏ ينبغي تقييده بما إذا لم يضر رفعه بالأرض أخذا مما بعده ‏(‏قوله‏:‏ وتؤجر لغيره‏)‏ لأن النقصان عن أجر المثل لا يجوز من غير ضرورة بحر‏.‏

مطلب في استيفاء العمارة بعد الفراغ مدة الإجارة بأجر المثل

‏(‏قوله‏:‏ وإلا ترك في يده بذلك الأجر‏)‏ لأن فيها ضرورة بحر عن المحيط وظاهر التعليل تركها بيده ولو بعد فراغ مدة الإجارة؛ لأنه لو أمر برفعها لتؤجر من غيره يلزم ضرره، وحيث كان يدفع أجرة مثلها لم يوجد ضرر على الوقف، فتترك في يده لعدم الضرر على الجانبين وحينئذ فلو مات المستأجر كان لورثته الاستبقاء أيضا إلا إذا كان فيه ضرر على الوقف بوجه ما، بأن كان هو أو وارثه مفلسا أو سيئ المعاملة أو متغلبا يخشى على الوقف منه أو غير ذلك من أنواع الضرر كما في حاشية الخير الرملي من الإجارات‏.‏ وأفتى به في فتاواه الخيرية، لكنه مخالف لإطلاق المتون والشروح من أنه بعد فراغ المدة يؤمر بالرفع والتسليم وبه أفتى في الخيرية أيضا قبيل باب ضمان الأجير في خصوص الأرض المحتكرة‏.‏ قلت‏:‏ لكن ينبغي تخصيص إطلاق المتون والشروح، وإخراج الأرض المعدة للاحتكار من هذا الإطلاق ليتوافق كلامهم، ويؤيد ذلك ما مر عن الخصاف من صحة وقف البناء في الأرض المحتكرة وقدمنا وجهه وهو أن البناء عليها يكون على وجه الدوام‏.‏ فيبقى التأبيد المشروط لصحة الوقف ومثل ذلك غالب القرى التي هي وقف أو لبيت المال، فإن أهلها إذا علموا أن بناءهم وغراسهم يقلع كل سنة وتؤخذ القرية من أيديهم، وتدفع لغيرهم لزم خرابها، وعدم من يقوم بعمارتها‏.‏ ومثل ذلك أصحاب الكردار في البساتين ونحوها وكذا أصحاب الكدك في الحوانيت ونحوها فإن إبقاءها في أيديهم سبب لعمارتها ودوام استغلالها ففي ذلك نفع للأوقاف، وبيت المال ولكن كل ذلك بعد كونهم يؤدون أجرة مثلها بلا نقصان فاحش، وهذا خلاف الواقع في زماننا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وهذا خلاصة ما حررته في رسالتي المسماة تحرير العبارة فيمن هو أحق بالإجارة فعليك بها فإنها بديعة في بابها مغنية لطلابها ولله تعالى الحمد ‏(‏قوله‏:‏ وفيه‏)‏ أي في البحر وعزاه إلى المحيط وغيره ‏(‏قوله‏:‏ لو زيد عليه‏)‏ أي من غير أن يزيد أجر المثل في نفسه فتاوى الخيرية ويدل له قوله الآتي والظاهر أنه لا يقبل الزيادة إلخ فظهر أن المراد زيادة متعنت فافهم ‏(‏قوله‏:‏ تفسخ عند رأس الشهر‏)‏ أي قبل دخوله لأنه إذا استأجر مشاهرة كل شهر بكذا تصح في الشهر الأول فقط وكلما دخل شهر صحت فيه ‏(‏قوله‏:‏ أو يتملكه القيم‏)‏ هذا فيما إذا ضر رفع البناء فكان عليه أن يقول‏:‏ فإن لم يضر رفع وإن ضر لا بل يتملكه القيم إلخ وعبارة البحر ينظر إن كانت أجرته مشاهرة إذا جاء رأس الشهر كان للقيم فسخ الإجارة، ثم ينظر إن كان رفع البناء لا يضر بالوقف فله رفعه لأنه ملكه، وإن كان تضر به فليس له رفعه؛ ولأنه وإن كان ملكه فليس له أن يضر بالوقف، ثم إن رضي المستأجر أن يتملكه القيم للوقف بالقيمة مبنيا أو منزوعا أيهما كان أخف يتملكه القيم وإن لم يرض لا يتملك لأن التملك بغير رضاه لا يجوز فيبقى إلى أن يخلص ملكه‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ سيأتي في كتاب الإجارات إنه إن ضر يتملكه القيم لجهة الوقف جبرا على المستأجر كما في عامة الشروح فيعول عليها لأنها لنقل المذهب بخلاف قول الفتاوى ا هـ‏.‏ وذكر مثله في المنح هناك وحاصله أنهم في الفتاوى كالمحيط والخانية والعمادية جعلوا الخيار للمستأجر ولو كان القلع يضر وأصحاب الشروح جعلوا الخيار للناظر إن ضر وإلا فللمستأجر ولا يخفى أن كلاما مما في الفتاوى والشروح مخالف لما مر من قوله، وإلا تترك في يده كما نبهنا عليه آنفا وعلمت التوفيق على التحقيق ‏(‏قوله‏:‏ والظاهر أنه لا تقبل الزيادة إلخ‏)‏ حاصله أنها مثل المشاهرة فإنه في المشاهرة لا تقبل الزيادة أيضا بل يصبر إلى انتهاء الشهر‏.‏ والحاصل‏:‏ أنه لا تقبل الزيادة في كل الصور حيث لم تزد أجرة مثله في ذاتها للزوم العقد، وعدم موجب الفسخ فلو قال والظاهر أنها كذلك لكان أخصر وأولى أفاده الخير الرملي في حاشية البحر‏.‏

مطلب مهم في وقف الإقطاعات

‏(‏قوله‏:‏ وأما وقف الإقطاعات إلخ‏)‏ هي ما يقطعه الإمام أي يعطيه من الأراضي رقبة، أو منفعة لمن له حق في بيت المال‏.‏ وحاصل ما ذكره صاحب البحر في رسالته التحفة المرضية في الأراضي المصرية‏:‏ أن الواقف لأرض من الأراضي لا يخلو إما أن يكون مالكا لها من الأصل، بأن كان من أهلها حين يمن الإمام على أهلها، أو تلقى الملك من مالكها بوجه من الوجوه أو غيرهما، فإن كان الأول فلا خفاء في صحة وقفه لوجود ملكه وإن كان الواقف غيرهما فلا يخلو أما إن وصلت إلى يده بإقطاع السلطان إياها له، أو بشراء من بيت المال من غير أن تكون ملكه، فإن كان الأول فإن كانت مواتا أو ملكا للسلطان صح وقفها، وإن كانت من حق بيت المال لا يصح قال الشيخ قاسم‏:‏ إن من أقطعه السلطان أرضا من بيت المال ملك المنفعة بمقابلة ما أعد له فله إجارتها وتبطل بموته أو إخراجه من الإقطاع لأن للسلطان أن يخرجها منه ا هـ‏.‏ وإن وصلت الأرض إلى الواقف بالشراء من بيت المال بوجه مسوغ؛ فإن وقفه صحيح لأنه ملكها، ويراعى فيها شروطه سواء كان سلطانا أو أميرا أو غيرهما، وما ذكره السيوطي من أنه لا يراعى فيها الشرائط إن كان سلطانا أو كان أميرا فمحمول على ما إذا وصلت إلى الواقف بإقطاع السلطان من بيت المال، أو بناء على أصل في مذهبه، وإن كان الواقف لها السلطان من بيت المال من غير شراء فأفتى العلامة قاسم أن الوقت صحيح أجاب به حين سئل عن وقف السلطان جقمق فإنه أرصد أرضا من بيت المال على مصالح مسجد وأفتى بأن سلطانا آخر لا يملك إبطاله ا هـ‏.‏ حاصل ما في الرسالة‏.‏ قلت‏:‏ وما أفتى به العلامة قاسم مشكل لما تقدم من أنها إن كانت من حق بيت المال لا يصح، وكذا ما سيذكره الشارح في فروع الفصل الآتي عن المبسوط، من أن للسلطان مخالفة شرط الواقف إذا كان غالب جهات الوقف قرى ومزارع؛ لأن أصلها لبيت المال أي فلم تكن وقفا حقيقة بل هي أرصاد أخرجها الإمام من بيت المال، وعينها لمن يستحق منه من العلماء ونحوهم، كما أوضحناه في باب العشر والخراج والجزية، وقدمنا هناك أنه إذا لم يعلم شراؤه لها ولا عدمه فالظاهر أنه لا يحكم بصحة وقفها لأن شرطه الملك، ولم يعلم ولا يلزم علمه من وقفه لها لأن الأصل بقاؤها لبيت المال كما يفيده المذكور عن المبسوط‏.‏

مطلب في أوقاف الملوك والأمراء

ولهذا أفتى المولى أبو السعود بأن أوقاف الملوك والأمراء لا يراعى شرطها لأنها من بيت المال أو تئول إليه ا هـ‏.‏ وأما ذكره في النهر هناك من قوله‏:‏ وإذا لم يعرف الحال في الشراء من بيت المال فالأصل هو الصحة فالظاهر أن معناها إذا علم الشراء، ولكن لم يعلم حاله هل هو صحيح أم لا لعدم وجود شرطه؛ لأنه لا يصح الشراء من بيت المال إلا إذا كان بالمسلمين حاجة كما مر هناك، فيحمل على الأصل وهو الصحة فافهم، ولعل مراد العلامة قاسم بقوله‏:‏ إن الوقف صحيح أي لازم لا ينقص على وجه الأرصاد المقصود منه وصول المستحقين إلى حقوقهم ولم يزد حقيقة الوقف وقدمنا تمام ذلك هناك فراجعه ‏(‏قوله‏:‏ يجعلونها مشتراة صورة‏)‏ أي بدون شرائطه المسوغة لعدم احتياج بيت المال إلى بيعها في هذه الدولة العثمانية أعز الله بها الإسلام والمسلمين، ومقتضاه أنه لا يكون وقفا حقيقة بل هو إرصاد كما علمته مما حررناه آنفا فلم يكن مما جهل حال شرائه حتى يحمل على الصحة فافهم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ لمصلحة عمت‏)‏ كالوقف على المسجد بخلافه على معين وأولاده فإنه لا يصح وإن جعل آخره للفقراء كما أوضحه العلامة عبد البر بن الشحنة ط ‏(‏قوله‏:‏ ويؤجر‏)‏ لأن بيت المال معد لمصالح المسلمين فإذا أبده على مصرفه الشرعي يثاب لا سيما إذا كان يخاف عليه أمراء الجور الذين يصرفونه في غير مصرفه الشرعي، فيكون قد منع من يجيء منهم يتصرف ذلك التصرف ذكره العلامة عبد البر ط ومفاده أنه إرصاد لا وقف حقيقة كما قدمناه ‏(‏قوله‏:‏ قلت إلخ‏)‏ أصله ما في الخانية لو أن سلطانا أذن لقوم أن يجعلوا أرضا من أراضي بلدة حوانيت موقوفة على المسجد أو أمرهم أن يزيدوا في مسجدهم قالوا إن كانت البلدة فتحت عنوة ينفذ لأنها تصير ملكا للغانمين فيجوز أمر السلطان فيها، وإذا فتحت صلحا تبقى على ملك ملاكها فلا ينفذ أمره فيها‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ومفاد التعليل أن المراد بالمفتوحة عنوة التي لم تقسم بين الغانمين إذ لو قسمت صارت ملكا لهم حقيقة فتأمل‏.‏

مطلب في إطلاق القاضي بيع الوقف للواقف أو لوارثه

‏(‏قوله‏:‏ أطلق القاضي‏)‏ أي أجاز ط عن الواني ‏(‏قوله‏:‏ بيع الوقف‏)‏ أي كله أو بعضه كما أفتى به الولي أبو السعود فقال‏:‏ إن لم يكن مسجلا وباعه برأي الحاكم يبطل وقفية ما باعه والباقي على ما كان كما نقله عنه المصنف في المنح قوله غير المسجل‏)‏ معنى قولهم مسجلا أي محكوما بلزومه بأن صار اللزوم حادثة وقع التنازع فيها فحكم القاضي باللزوم بوجهه الشرعي رملي، وسمي مسجلا لأن المحكوم به يكتب في سجل القاضي ‏(‏قوله‏:‏ وكان حكما ببطلان الوقف‏)‏ الضمير في كان عائد إلى إطلاق القاضي وعبارة البزازية كان حكما بصحة بيع الوقف ا هـ‏.‏ والظاهر أن الحكم ببطلان الوقف يكون بعد بيعه تأمل ‏(‏قوله‏:‏ كما حققه المصنف‏)‏ حيث ذكر أن هذا ليس مبنيا على قول الإمام فقط بعدم لزوم الوقف قبل التسجيل، بل هو صحيح على قولهما أيضا لوقوعه في فصل مجتهد فيه كما صرح به في البزازية، ويؤيده قول قارئ الهداية إذا رجع الواقف عما وقفه قبل الحكم بلزومه صح عنده لكن الفتوى على خلافه وأنه يلزم بلا حكم ومع ذلك إذا قضى بصحة الرجوع قاض حنفي صح ونفذ فإذا وقفه ثانيا على جهة أخرى وحكم به حاكم صح ولزم وصار المعتبر الثاني لتأيده بالحكم‏.‏ ا هـ‏.‏ وبه يندفع ما ذكره العلامة قاسم ومن تبعه من عدم النفاذ معللا بأنه قضاء بالمرجوح ا هـ‏.‏ وليس كذلك لما في السراجية من تصحيح أن المفتي يفتي بقول الإمام على الإطلاق، ثم بقول أبي يوسف، ثم بقول محمد ثم بقول زفر والحسن بن زياد، ولا يتخير إذا لم يكن مجتهدا وقول الإمام مصحح أيضا فقد جزم به بعض أصحاب المتون‏:‏ ولم يعولوا على غيره ورجحه ابن كمال في بعض مؤلفاته وإذا كان في المسألة قولان مصححان يجوز القضاء والإفتاء بأحدهما هذا حاصل ما ذكره المصنف وفيه نظر‏.‏ فإن كتب المذهب مطبقة على ترجيح قولهما بلزومه بلا حكم وبأنه المفتى به وفي الفتح‏:‏ أنه الحق كما مر فعلى المفتي والقاضي العمل به وأما قوله جزم به بعض أصحاب المتون إلخ ففيه أنهم ذكروا أولا قول الإمام، لكون المتون موضوعة لنقل مذهبه ثم ذكروا قولهما وفرعوا عليه‏.‏ وأما قول السراجية إن المفتي يفتي بقول الإمام على الإطلاق، ولا يتخير فذاك في غير ما صرح أهل المذهب بترجيح خلافه، ولذا قال إذا لم يكن مجتهدا، ولا شك أن أهل الاجتهاد في المذهب رجحوا قولهما، فعلينا اتباع ترجيحهم وإلا كان عبثا كما رجحوا قولهما في المزارعة والحجر فثبت أن قوله مرجوح، والقضاء بالمرجوح غير صحيح‏.‏ وأما ما أفتى به قارئ الهداية فقد أفتى نفسه بخلافه وقال لكن الفتوى على قولهما إنه لا يشترط للزومه شيء مما شرطه أبو حنيفة، فعلى هذا الوقف هو الأول وما فعله ثانيا لا اعتبار به إلا إن شرطه في وقفه ا هـ‏.‏ وعن هذا قال في البحر‏:‏ ولو قضى الحنفي بصحة بيعه فحكمه باطل لأنه لا يصح إلا بالصحيح المفتى به، فهو معزول بالنسبة إلى القول الضعيف ولذا قال في القنية فالبيع باطل ولو قضى القاضي بصحته وقد أفتى به العلامة قاسم وأما ما أفتى به قارئ الهداية من صحة الحكم ببيعه قبل الحكم بوقفه فمحمول على أن القاضي مجتهد أو سهو منه ا هـ‏.‏ فافهم‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

صريح كلام القنية المذكور أن البيع باطل لا فاسد قال المقدسي في شرحه‏:‏ وقد وقع فيه اختلاف وأفتى بعض مشايخ العصر بفساده ورتب عليه ملك المشتري إياه والصحيح أنه باطل، وقد بينا ذلك في رسالة لما وقع الاختلاف في البلاد الرومية و أفتى مفتيها بسريان الفساد إذا بيع ملك ووقف صفقة واحدة، وخالفه شيخنا السيد الشريف محيي الدين الشهير بمعلول أمير وألف جماعة من المصريين رسائل في ذلك حتى الشافعية كالشيخ ناصر الدين الطبلاوي، لما وقع بين قاضي القضاة نور الدين الطرابلسي وقاضي القضاة محيي الدين بن إلياس‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ و أفتى به‏)‏ أي المصنف في فتاواه ‏(‏قوله‏:‏ تبعا لشيخه‏)‏ أي صاحب البحر في فتاواه، وقد علمت أنه في بحره ما ارتضاه ‏(‏قوله‏:‏ لكن حمله في النهر‏)‏ أي تبعا للبحر كما علمت ومثل القاضي المجتهد من قلد مجتهدا يره أفاده ح‏.‏

مطلب بيع الوقف باطل لا فاسد

‏(‏قوله لا يصح بيعه‏)‏ يفيد أن إطلاق القاضي بيع الوقف لغير الوارث حكم ببطلان الوقف، ويعود إلى ملك الوارث غايته أن بيع غير الوارث باطل؛ لأنه باع ملك الغير لكن ينبغي أن يكون البيع صحيحا موقوفا على إجارة الوارث كما لا يخفى‏.‏ ا هـ‏.‏ ح لكن ليس في كلام الشارح ما يوجب البطلان؛ لأن قوله لا يصح، قوله‏:‏ لا يجوز لا يقتضيه وليس في كلامه أيضا ما يقتضي بطلان الوقف بمجرد إطلاق القاضي بيعه لغير الوارث، وقوله‏:‏ لأنه إذا بطل يعني بعد البيع ‏(‏قوله‏:‏ لما في العمادية باع القيم إلخ‏)‏ ينبغي أن يكون هذا في صورة الاستبدال‏.‏ ا هـ‏.‏ ح وعليه فالمراد بالمسوغ الشرعي وجود شرائط الاستبدال وقيد بأمر القاضي لأن الاستبدال إذا لم يشرطه الواقف لا يجوز لغير القاضي كما مر‏.‏

مطلب في الوقف إذا انقطع ثوبه

‏(‏قوله‏:‏ وأما المسجل إلخ‏)‏ ظاهره أنه مقابل قول المتن غير المسجل، فيكون المراد به المحكوم بلزومه وهذا لا شبهة في عدم صحة بيعه ما لم يصل إلى حال يجوز استبداله، وأما لو انقطع ثبوته ففي الخصاف‏:‏ أن الأوقاف التي تقادم أمرها ومات شهودها فما كان لها رسوم في دواوين القضاة، وهي في أيديهم أجريت على رسومها الموجودة في دواوينهم استحسانا إذا تنازع أهلها فيها وما لم يكن لها رسوم في دواوين القضاة القياس فيها عند التنازع أن من أثبت حقا حكم له به‏.‏ ا هـ‏.‏ وسيأتي تمامه في الفروع‏.‏

مطلب‏:‏ الوقف في مرض الموت

‏(‏قوله‏:‏ الوقف في مرض موته كهبة فيه‏)‏ أي في مرض الموت أقول‏:‏ إلا أنه إذا وقف على بعض الورثة ولم يجزه باقيهم لا يبطل أصله، وإنما يبطل ما جعل من الغلة لبعض الورثة دون بعض‏.‏ فيصرف على قدر مواريثهم عن الواقف ما دام الموقوف عليه حيا، ثم يصرف بعد موته إلى من شرطه الواقف؛ لأنه وصية ترجع إلى الفقراء وليس كوصية لوارث ليبطل أصله بالرد نص عليه هلال رحمه الله تعالى فتنبه لهذه الدقيقة شرنبلالية وقدمنا تمام الكلام عليه عند قول المصنف أو بالموت ‏(‏قوله‏:‏ من الثلث القبض‏)‏ خبر ثان عن قوله الوقف، أو متعلق بمحذوف وعبارة الدرر فيعتبر من الثلث ويشترط فيه ما يشترط فيها‏.‏ من القبض والإفراز ا هـ‏.‏ وأصله في الخانية حيث قال فيها قال الشيخ الإمام ابن الفضل‏:‏ الوقف على ثلاثة أوجه إما في الصحة أو في المرض، أو بعد الموت فالقبض والإفراز شرط في الأول كالهبة، دون الثالث؛ لأنه وصية وأما الثاني فكالأول وإن كان يعتبر من الثلث كالهبة في المرض‏.‏ وذكر الطحاوي أنه كالمضاف إلى ما بعد الموت وذكر السرخسي أن الصحيح‏:‏ أنه كوقف الصحة حتى لا يمنع الإرث عند أبي حنيفة، ولا يلزم إلا أن يقول في حياتي وبعد مماتي ا هـ‏.‏ ملخصا وبه علم أن المراد بالقبض قبض المتولي وهو مبني على قول محمد باشتراط التسليم والإفراز كما مر بيانه، وإن الخلاف في كون وقف المرض كوقف الصحة أو كالمضاف إلى ما بعد الموت ثمرته في كونه لا يلزم على قول الإمام، فإذا مات يورث عنه كوقف الصحة أو يلزم فلا يورث كالمضاف، وحيث مشى الشارح على ترجيح قول أبي يوسف بعدم اشتراط القبض كان الأولى له حذف قوله مع القبض ولئلا يوهم أن المراد قبض الموقوف عليه ‏(‏قوله‏:‏ أو أجازه الوارث‏)‏ أي وإن لم يخرج من الثلث ‏(‏قوله‏:‏ وإلا بطل‏)‏ إلا أن يظهر له مال آخر إسعاف وخانية ‏(‏قوله‏:‏ ولو أجاز البعض‏)‏ أي بعض الورثة جاز بقدره أي نفذ مما زاد على الثلث ما أجازه وبطل باقي ما زاد‏.‏ وصورته لو كان ماله تسعة ووقف في مرضه ستة ومات عن ثلاثة أولاد فأجاز أحدهم نفذ في واحد فيصح الوقف من أربعة وسيأتي في كتاب الوصايا أو أجاز البعض ورد البعض جاز على المجيز بقدر حصته وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وبطل وقف راهن معسر‏)‏ فيه مسامحة والمراد أنه سيبطل ففي الإسعاف وغيره‏:‏ لو وقف المرهون بعد تسليمه صح، وأجبره القاضي على دفع ما عليه إن كان موسرا وإن كان معسرا أبطل الوقف وباعه فيما عليه ا هـ‏.‏ وكذا لو مات فإن عن وفاء عاد إلى الجهة وإلا بيع وبطل الوقف كما في الفتح ‏(‏قوله‏:‏ ومريض مديون بمحيط‏)‏ أي بدين محيط بماله فإنه يباع وينقض الوقف بحر‏.‏ ويأتي محترز المحيط وفي ط عن الفواكه البدرية الدين المحيط بالتركة مانع من نفوذ الإعتاق والإيقاف والوصية بالمال والمحاباة في عقود العوض في مرض الموت إلا بإجازة الدائنين وكذا يمنع من انتقال الملك إلى الورثة فيمنع تصرفهم إلا بالإجازة‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ بخلاف صحيح‏)‏ أي وقف مديون صحيح فإنه يصح ولو قصد به المماطلة؛ لأنه صادف ملكه كما في أنفع الوسائل عن الذخيرة قال في الفتح‏:‏ وهو لازم لا ينقضه أرباب الديون إذا كان قبل الحجر بالاتفاق لأنه لم يتعلق حقهم في حال صحته‏.‏ ا هـ‏.‏ وبه أفتى في الخيرية من البيوع وذكر أنه أفتى به ابن نجيم وسيأتي فيه كلام عن المعروضات ‏(‏قوله‏:‏ لو قبل الحجر‏)‏ أما بعده فلا يصح وقدمنا أول الباب عند قوله وشرطه شرط سائر التبرعات عن الفتح أنه لو وقفه على نفسه، ثم على جهة لا تنقطع ينبغي أن يصح على قول أبي يوسف المصحح وعند الكل إذا حكم به حاكم‏.‏ ا هـ‏.‏ وتقدم هناك الكلام عليه‏.‏ وحاصله‏:‏ أن وقفه على نفسه ليس تبرعا بقي أن عدم صحة وقف المحجور إنما يظهر على قولهما بصحة حجر السفيه أما على قوله فلا لأنه لا يرى صحة حجره فيبقى تصرفه نافذا وعن هذا حكم بعض القضاة بصحة وقفه لأن القضاء بحجره لا يرفع الخلاف لوقوع الخلاف في نفس القضاء كما صرح به في الهداية، فيصح الحكم بصحة تصرفه عند الإمام، فيصح وقفه لكن الحكم بلزومه مشكل لأن الإمام وإن قال بصحة تصرفه لكنه لا يقول بلزوم الوقف والقائل بلزومه لا يقول بصحة تصرف المحجور فيصير الحكم بلزوم وقفه مركبا من مذهبين هذا حاصل ما ذكره في أنفع الوسائل وأجاب عنه بأنه في المنية المفتي جوز الحكم الملفق وقدمنا ما فيه عند الكلام على وقف المشاع ‏(‏قوله‏:‏ فإن شرط وفاء دينه‏)‏ أي وقفه على نفسه وشرط وفاء دينه منه كما في فتاوى ابن نجيم وحذفه الشارح استغناء بالمقابل وهو قوله ولو وقفه على غيره‏.‏ ا هـ‏.‏ ح ‏(‏قوله‏:‏ يوفي من الفاضل عن كفايته‏)‏ أي إذا فضل من غلة الوقف شيء عن قوته فللغرماء أن يأخذوا منه لأن الغلة بقيت على ملكه ذخيرة ‏(‏قوله‏:‏ لو له ورثة‏)‏ أي ولم يجيزوا فقوله وإلا أي وإن لم يكن له ورثة أو كان وأجازوا‏.‏ ا هـ‏.‏ ح ‏(‏قوله‏:‏ فلو باعها القاضي‏)‏ أي في صورة المحيط‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أي وإلا فيبطل‏)‏ بالبناء للمجهول وهذا تصريح بالمفهوم‏:‏ أي وإن لم يمت عن مال يفي بما عليه من الدين، فإن الوقف يغير أي يبطله القاضي، ويبيعه للدين قال الشرنبلالي في شرح الوهبانية‏:‏ وهذا يخالف عتق العبد للرهن لا يباع؛ ويسعى في الدين إن لم يزد على قيمته، ولا يبطل العتق‏.‏ وبحث فاضل فقال‏:‏ ينبغي أن لا يبطل الوقف ويؤخذ من غلته لوفاء الدين كسعاية العبد إذا لم يقدر بزمن‏:‏ والجامع بينهما التحرير فإن الوقف تحرير عن البيع وتعلق حق الغير يقضى من ريعه كسعاية العبد بل إنه أمكن إذ قد يموت العبد قبل أداء السعاية والعقار باق رعاية للمصلحة فليتأمل ا هـ‏.‏ ما في شرح الوهبانية‏:‏ قلت‏:‏ وفيه نظر لظهور الفرق بين الوقف والعتق، فإن العتق عقد لازم واستهلاك للرهن من كل وجه بخلاف الوقف، فإنه حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة عند الإمام، ولهذا يدوم الثواب بدوامه لبقائه على ملكه، وقد وقع الخلاف في عوده إلى ملك الواقف بعد خرابه‏.‏ وفي جواز بيعه إذا أطلقه القاضي للواقف أو وارثه كما مر بخلاف العبد بعد العتق فإنه لا خلاف في عدم عوده إلى الملك، فلذا كان الوقف موقوفا على الفكاك، فإذا افتكه نفذ، وإن لم يفتكه حتى مات وترك مالا فإنه يفتك منه، وإن لم يترك مالا يبطل لتعذر الفكاك من العين بدونه والمنفعة كالكسب خارجة عن الرهن، فإن الذي كان للمرتهن فيه حق الحبس إنما هو العين، وأما العبد فلا يمكن رده بعد العتق إلى الملك بوجه فلذا يستسعى ولأن العتق من أول الأمر صدر منجزا غير موقوف بخلاف الوقف هذا ما ظهر لي ‏(‏قوله‏:‏ أو للغلة يمهل‏)‏ حكاية قول آخر فليست أو فيه للتخيير، لكن علمت أن هذا القول بحث غير منقول، وأنه قياس مع الفارق فهو غير مقبول ‏(‏قوله‏:‏ قلت لكن إلخ‏)‏ استدراك على قوله صحيح‏.‏ ا هـ‏.‏ ح والأقرب أنه استدراك على ما في الوهبانية فإنه في معناه أيضا‏.‏

مطلب في وقف الراهن والمريض والمديون

‏(‏قوله‏:‏ فأجاب لا يصح ولا يلزم إلخ‏)‏ هذا مخالف لصريح المنقول كما قدمناه عن الذخيرة والفتح إلا أن يخصص بالمريض المديون‏.‏ وعبارة الفتاوى الإسماعيلية لا ينفذ القاضي هذا الوقف ويجبر الواقف على بيعه ووفاء دينه والقضاة ممنوعون عن تنفيذه كما أفاده المولى أبو السعود ا هـ‏.‏ وهذا التعبير أظهر وحاصله أن القاضي إذا منعه السلطان عن الحكم به كان حكمه باطلا لأنه وكيل عنه، وقد نهاه الموكل صيانة لأموال الناس، ويكون جبره على بيعه من قبيل إطلاق القاضي بيع وقف لم يسجل وقد مر الكلام فيه وينبغي ترجيح بطلان الوقف بذلك للضرورة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ أو للأغنياء ثم الفقراء‏)‏ أما للأغنياء فقط فلم يجز؛ لأنه ليس بقربة كما مر أول الباب ‏(‏قوله‏:‏ كمساجد إلخ‏)‏ وكذا مصاحف مساجد وكتب مدارس كما هو ظاهر ما مر عند قوله ومنقول فيه تعامل ‏(‏قوله‏:‏ لاحتياج الكل لذلك‏)‏ أي للنزول في الخان والشرب من السقاية إلخ زاد في الهداية أن الفارق بين الموقوف للغلة، وبين هذا هو العرف فإن أهل العرف يريدون بذلك في الغلة للفقراء وفي غيرها التسوية بينهم وبين الأغنياء ‏(‏قوله‏:‏ بخلاف الأدوية‏)‏ أي الموقوفة في التيمارخانه فإن الحاجة إليها دون الحاجة إلى السقاية، فإن العطشان لو ترك شرب الماء يأثم، ولو ترك المريض التداوي لا يأثم أفاده ح عن المنح ‏(‏قوله‏:‏ فيدخل الأغنياء تبعا‏)‏ هذا في التعميم أما في التنصيص فهم مقصودون‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏

‏(‏قوله وبأنه أخرجه من يده‏)‏ أي سلمه إلى المتولي على قول محمد بأن ذلك شرط، وقوله صحيح يغني عنه؛ لأن صحة الوقف باستيفاء شروطه ‏(‏قوله‏:‏ ووارثه يعلم خلافه‏)‏ أي أنه لم يقفه ولم يخرجه من يده درر ‏(‏قوله‏:‏ قضاء‏)‏ أما في الديانة فتسمع دعواه يعني يسوغ له السعي في إبطاله، وأخذه لنفسه حيث علم أن إقرار مورثه كاذب في نفس الأمر وأنه باق على ملكه؛ لأن الحكم بجوازه إنما هو بناء على ما أقر به لا على نفس الأمر‏.‏

مطلب في وقف المرتد

‏(‏قوله‏:‏ وتبطل أوقاف امرئ بارتداده إلخ‏)‏ لا محل لذكره هنا، ومحله أول الباب، وقد ذكره هناك من الفتح‏.‏ وحاصله مسألتان‏:‏ إحداهما‏:‏ لو وقف، ثم ارتد والعياذ بالله تعالى بطل وقفه، وإن عاد إلى الإسلام، ما لم يعد وقفه بعد عوده لحبوط عمله بالردة ونظر فيه ابن الشحنة في شرحه بأن الحبوط في إبطال الثواب، لا فيما تعلق به حق الفقراء، وأجاب الشرنبلالي في شرحه بما في الإسعاف، من أنه لما جعل آخره للمساكين وذلك قربة فبطل‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وهذا الجواب غير ملاق للسؤال وإنما ذكره في الإسعاف جوابا عن سؤال آخر، وهو أنه إذا وقفه على قوم بأعيانهم لم يكن قربة فأجاب بما ذكر‏.‏ فالجواب الصحيح‏:‏ أن الوقف على الفقراء قربة باقية إلى حال الردة والردة تبطل القربة التي قارنتها كما لو ارتد في حال صلاته أو صومه، بخلاف ما إذا ارتد بعد صلاته أو صيامه، فإنه لا يبطل نفس الفعل، بل ثوابه فقط وأما حق الفقراء، فإنما هو في الصدقة فقط، فإذا بطل التصدق الذي هو معنى الوقف بطل حقهم ضمنا وإن كان لا يمكن إبطاله قصدا كما يبطل في خراب الوقف وخروجه عن المنفعة هذا ما ظهر لي فافهم‏.‏ الثانية‏:‏ لو وقف في حال ردته فهو موقوف عند الإمام، فإن عاد إلى الإسلام صح وإلا بأن مات أو قتل على ردته أو حكم بلحاقه بطل، ولا رواية فيه عن أبي يوسف، وعند محمد يجوز منه ما يجوز من القوم الذين انتقل إلى دينهم ويصح وقف المرتدة لأنها لا تقتل إلا أن يكون على حج أو عمرة ونحو ذلك فلا يجوز كما في شرح الوهبانية ملخصا ‏(‏قوله‏:‏ فحال ارتداد‏)‏ منصوب على الظرفية متعلق باسم لا وأجدر أي أحق خبرها، والمعنى لا يكون الوقف حال الردة أحق بالبطلان من الوقف قبلها بل ذاك أحق بالبطلان لعدم توقفه هذا ما ظهر لي فافهم والله سبحانه أعلم‏.‏